تمدد جحا على فراشه، كان متخماً جداً، فقد أكل عند جاره حتى تورمت بطنه.. أكل دجاجة كاملة، وصحنا كبيراً من الأرز، بالإضافة إلى الملوخية، والبامية، وشرب منقوع الزبيب..
غط جحا في نوم عميق، وشخَّر شخيراً مزعجاً أيقظ زوجته أم الورد، فجلست في فراشها متعجبة من هذا الشخير الفظيع، ومن منظر جحا في فراشه.
جاءه رجل قوي البنية، وقيد يديه ورجليه، وانهال عليه ضرباً بالأيدي، ورفساً بالأرجل، ثم جاء بعصا غليظة، وضربه بها ضرباً موجعاً، وهو يقول له: إياك أن تأكل مرة أخرى كما أكلت اليوم
فسأله جحا: من أنت؟
قال الرجل: أنا أبو الأثلاث.
صاح جحا من شدة الألم، وصار يستغيث، ويعده بألا يأكل إلا كما يأمره.
قال أبو الأثلاث: ثلث لطعامك.
فأكمل جحا: وثلث لشرابي، وثلث لنفسي.
قال الرجل: هذا وعد؟
قال جحا في تأوه: هذا وعد، ولن أخلف وعدي هذا.. أرجوك..
توقف الرجل عن ضرب جحا وهو يهز عصاه.. ويقول: إذا نقضت وعدك، فالعصا موجودة.. والعصا من أين؟
أجاب جحا في وهن: من الجنة.. من الجنة.. ابتعد عني أرجوك..
عرفت أم الورد أن كابوساً فظيعاً قد ركب زوجها، فأشفقت عليه، وهزته بعنف.
انهض يا جحا.. مالك يا أبا الورد.. قم يا رجل..
استيقظ جحا من نومه: والذعر في عينيه، وهو يتأوه ويقول:
ماذا يريد مني؟ سآكل وآكل وآكل.. أنا أعرف ثلثي.. ثلثي هو ما يتسع له بطني من الطعام، أما الشراب، فيتسرب من بين اللقم، ويستقر في الفراغات التي بينها، وأما النفس، فلست أبالي إذا دخل وخرج، أو دخل ولم يخرج، أو خرج ولم يدخل.
كانت أم الورد تستمع إلى زوجها جحا وهو يحدث نفسه، فسألته:
مالك يا جحا؟ هل تحدث نفسك؟
هاتي لي أغلظ عصا في البيت.
سألته: لماذا ؟
قال جحا: حتى أكسر رأسه بها إذا عاد مرة أخرى ليحدثني عن الثلث.
قالت زوجته: من هو هذا الذي تتحدث عنه؟
قال جحا: أبو الأثلاث.. أبو الأثلاث.
انطلق جحا إلى عمود كبير في صحن الدار، ومدده إلى جانبه في الفراش وهو يئن ويقول: إن كنت رجلاً يا أبا الأثلاث، فتعال لأريك كيف يكون القتال.